الصمت في زمن ضياع الحقيقة

في عصرنا الحالي أصبح الصمت في بعض المواقف خيارًا حكيمًا أمام فوضى المعلومات وضياع الحقيقة بين زخم الأكاذيب والتشويش المتعمد. نشهد اليوم انتشارًا واسعًا للأخبار المغلوطة حيث يتسرع كثيرون في ترويجها دون تحقق وكأن الحقيقة باتت سلعة قابلة للتحريف والتلاعب. في ظل هذه الفوضى تُتخذ مواقف متسرعة بناءً على معلومات غير موثوقة مما يزيد من الفجوة بين الحق والباطل.
إن تسارع تداول الأخبار دون تدقيق يعكس واقعًا مؤلمًا حيث أضحى بإمكان أي شخص نشر معلومات قد تكون مزيفة أو مشوهة وأحيانًا بغرض الإساءة إلى الآخرين أو تحقيق مكاسب شخصية ، ومع هذا الواقع يصبح من الصعب التمييز بين الصحيح والمضلل مما يؤدي إلى انتشار الظلم والتسرع في إصدار الأحكام.
والأخطر من ذلك أن بعض الأفراد يصدقون هذه الأخبار دون تروٍّ أو تحقق ويتخذون قرارات بناءً عليها متجاهلين أهمية البحث عن الحقيقة. وهذا ما يزيد من تفشي الظلم ويجعل التسرع في الحكم على الآخرين جزءًا من نمط الحياة اليومي.
في خضم هذا الضياع يصبح الصمت أحيانًا الخيار الأكثر حكمة خاصة عندما لا تتوفر المعلومات الدقيقة لأن الانسياق وراء الإشاعات قد يجعل الإنسان شريكًا في نشر الباطل دون قصد. وقد أكد الله عز وجل على أهمية التثبت من الأخبار قبل اتخاذ أي موقف حيث قال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات: 6). وهذه الآية الكريمة تؤكد ضرورة التحقق من صحة الأخبار قبل تداولها أو اتخاذ قرارات بناءً عليها.
وعليه فإن الصمت في أوقات الغموض قد يكون أكثر بلاغة من الكلام إذ يحفظ الإنسان من الوقوع في فخ التسرع ونشر الأكاذيب خاصة عندما تكون الحقيقة غير واضحة أو ناقصة ، فالتريث وعدم الانجرار وراء المعلومات المضللة يُعدان شكلًا من أشكال الحكمة والتعقل.
ختامًا : الصمت في زمن ضياع الحقيقة ليس ضعفًا بل موقف قوة وشجاعة في مواجهة زيف المعلومات إذ يتيح الفرصة للبحث والتدقيق قبل إصدار الأحكام ، وحين يصبح العالم ساحةً للشائعات والمغالطات يغدوا الصمت أداةً لحماية الحقيقة وصونها من التلاعب والضياع.