لعبة الشطرنج وسمان القرابين

تتلاطم وتتقاطع المصالح السياسية اليوم بشكل لم يشهد له التاريخ البشري مثيل، حيث أصبحت المصالح العليا أو السيادية إن جاز التعبير هي العنوان الأبرز والمشهد الأوضح على جميع الأصعدة ( الدولية، الإقليمية )  ولا غرابة في ذلك إذا اعترفنا بوجود تراجع كبير ليس له مثيل على مستوى ( الأخلاق ) وكرامة وأهمية ( الإنسان ).

في السياسة الحديثة برزت مؤخرا مجموعة من العوامل التي باتت تلعب دورا بارزا في توجيه وتغيير البوصلة السياسية، كما أنها قد تتسبب في تبدل المواقف والمواقع بشكل مفاجئ وغير متوقع، ومن أهم تلك العوامل التي برزت مؤخرا ما يعرف بالقاعدة أو الحاضنة الشعبية ( محليا ) والرأي العام ( دوليا )، فقد أصبحا هاجسا مقلقا للإدارات السياسية بحسب حجم و وتييرة ارتفاع وانخفاض صوتهما.

في ظل تلك الحسابات المعقدة والمواقف المتغيرة في الأوقات الحرجة، جنحت معظم الإدارات السياسية نحو تأسيس تحالفات ثنائية وجماعية في سبيل بسط نفوذها وسيطرتها على المناطق والممرات الحيوية والاستراتيجية، فأصبح الصراع على النفوذ لا يقل أهمية عن الحفاظ على الوجود وكلاهما وجهان لعملة واحدة في نظر الكثيرين من صناع القرار السياسي والاقتصادي، وبسبب سرعة وتيرة المتغيرات وردود الأفعال على الأرض فضلا عن ضغط وتأثير الحاضنة الشعبية والرأي العام العالمي، ارتفعت قيمة فاتورة التكاليف وزاد حجم وأهمية التضحيات حتى لو كلف ذلك الدفع بأغلى واسمن القرابين وأهم وأقرب المتحالفين.

لم يبقى لحالة ( الحياد ) مكان على الخارطة الدولية، فالآثار والتبعات إما جغرافية أو عسكرية أو اقتصادية أو الثلاثة مجتمعة، والمشاركة في اللعبة بشكل مباشر أو غير مباشر باتت أمر محيرا يصعب تجنبه كصعوبة الترجيح بين المكاسب والتضحيات.

الأحداث الأخيرة في ( فلسطين، أوكرانيا ) أثبتت أن العالم بكتلتيه الجغرافية والبشرية أكبر بكثير من أن تحكمه وتقوده قوة واحدة، ما يعني استمرار واتساع رقعة تلك الصراعات وزيادة عدد وحجم القرابين والتضحيات.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. مقال دقيق وعميق وواقعي،وجدير بالتأمل وخصوصاً اليوم ونحن نعيش هذا الواقع المتسارع في الأحداث والمتغيرات
    تسلم أ. عامر على الطرح الجميل

  2. نعم يا أستاذ عامر
    صدقتَ وأحسنت .. أحسن الله إليك

    فمنذُ عقودٍ
    عندما أُعلنت سياسة “الوفاق” بين القطبين
    استبشرت الإنسانية بعالمٍ يسوده السلام والوئام
    ولكن هذا لم يرُق لأصحاب المصالح من تجار الحروب
    فأعادوا إشعالها في المناطق الرخوة والهشة
    وللأسف أن عالمنا العربي المستهدف
    على رأس هذه البقاع التي لا يرادُ لها الأمن والاستقرار

    1. اخونا واستاذنا عامر
      اسعد الله صباحك ومساك
      مهما اختلفت الصراعات والنفوذ والحدود يكون البقاء للأقوياء وفي الماضي كان الضعفاء يقدمون القرابين للأقوياء اتقاء شرورهم وفي الحاضر أصبح الأقوياء يطلبون من الضعفاء قرابين محددة وليس أمام الضعفاء سوى الانصياع
      وقد تكون القرابين مقبولة أو مرفوضة من طرف لاخر ولكن من غير المقبول ولا المعقول ان يقدم الوطن قربانا مهما كانت الأسباب فدون الوطن خرط العتاد والضغط على الزناد فذلك يوم التناد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى