الحسد داءٌ يحرق القلب ويهدم النفس

الحسد ليس مجرد شعور عابر بل هو اضطراب داخلي يسرق راحة النفس ويجعل صاحبه أسيرًا للمقارنات والسخط. هو داءٌ خفي ينمو في القلب حتى يفسد سلامه، ويحوّل حياة الإنسان إلى دائرة لا تنتهي من التذمر والضيق. وقد حذّر الله من هذا الداء بقوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (النساء: 54) ليؤكد أن الحسد اعتراض ضمني على حكمته في توزيع الأرزاق.

الحسد لا يقتصر على الغرباء أو المنافسين بل قد يظهر بين أفراد الأسرة الواحدة حيث تشتعل نار الغيرة بين الإخوة بسبب تفضيل أحدهم أو بسبب نجاح أحد الأبناء في مجال معين. وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلًا واضحًا في قصة يوسف عليه السلام حين اشتعل الحسد في قلوب إخوته فدفعهم ذلك إلى التفكير في التخلص منه، كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (يوسف: 8). وهذا يوضح أن الحسد داخل الأسرة يمكن أن يكون مدمرًا إذا لم يُعالج بالحكمة والعدل مع توعية أفراد الأسرة بأهمية حب الخير للآخرين.

كذلك قد يظهر الحسد بين الأزواج عندما يشعر أحدهم بتفوق الآخر في جانب معين مما يؤدي إلى توتر العلاقة وغياب المودة. وإذا لم يتم التعامل مع هذا الشعور بحكمة قد يصبح سببًا في انهيار الأسرة وزيادة الخلافات.

ليس كل حسد مقصودًا أو ناتجًا عن نية سيئة فقد يحسد الإنسان غيره دون أن يدرك حين يعبر عن إعجابه الشديد بشيء ما دون أن يذكر الله أو دون أن يستشعر في قلبه حب الخير للآخرين. ولهذا أرشدنا النبي ﷺ إلى قول “ما شاء الله لا قوة إلا بالله” عند رؤية ما يعجبنا حتى لا يكون ذلك سببًا في الضرر. كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (الكهف: 39).

قد يكون الحسد غير مقصود عندما يشعر الإنسان بالحزن لرؤية نجاح غيره دون أن يتمنى زوال نعمته. وهذا نوع من الضعف البشري الذي يمكن تجاوزه بتعزيز الإيمان والرضا بما قسمه الله. أما الحسد الحقيقي فهو الذي يتمنى صاحبه زوال نعمة غيره وهذا هو الحسد المذموم الذي يؤدي إلى فساد القلب والعلاقات.

الحسد داءٌ خفي يتسلل إلى القلب فيسرق راحته ويزرع الضيق في النفس ويؤجج نيران العداوة بين الناس. لكنه في حقيقته لا يؤذي المحسود بقدر ما يفتك بالحاسد فيحرمه السكينة ويبدد سعادته ويغرقه في دوامة من المقارنات التي لا تنتهي.

ولا سبيل لإخماد لهيبه إلا بالقناعة والامتنان والإيمان العميق بأن الأرزاق مقسمة بعدلٍ إلهي وأن لكل إنسان نصيبه الذي لن ينقصه ولن يزيده حسد الآخرين.

إنه شعلة تلتهم القلب قبل أن تمتد إلى غيره ولا ينطفئ وهجها إلا بالرضا والشكر. فحين يملأ الإنسان قلبه بالقناعة تغلق أبواب الغيرة ويحل السلام محل التذمر والضيق.

إليكم نصائح للتغلب على الحسد:
• الرضا بالقضاء والقدر: من أبرز سبل التخلص من الحسد هو الرضا بما قسمه الله لنا. عندما نؤمن بأن كل شيء مقدر لنا من الله ندرك أن نصيبنا لن ينقصه الحسد، وأن لكل منا نصيبه الذي لا يمكن أن يغيره أحد.
• الامتنان والتقدير: بدلاً من التركيز على ما يملكه الآخرون يجب علينا أن نركز على شكر الله على النعم التي بين أيدينا. الامتنان يجعلنا نرى الجمال في حياتنا ويقلل من مشاعر الحسد.

• الذكر والدعاء: عندما نشعر بالإعجاب بشيء ما من المهم أن نذكر الله بقول “ما شاء الله لا قوة إلا بالله”. هذا لا يحفظنا من الحسد فحسب بل يجلب البركة والسكينة إلى حياتنا وحياة من حولنا.

• تحويل الحسد إلى مصدر إلهام: بدلاً من مقارنة أنفسنا بالآخرين، يمكننا أن نحول مشاعر الحسد إلى حافز للتطوير والتحسين الشخصي. النجاح الذي نراه في الآخرين يمكن أن يكون مصدر إلهام لنا للعمل بجد أكبر والسعي وراء الفرص التي تعزز من نموّنا الشخصي.

ختامًا: الحسد داءٌ دفين يحرق القلب ويهدم النفس وتحرير النفس منه يبدأ بالرضا واليقين بأن ما كُتب لك سيأتيك وأن نجاح الآخرين ليس عثرة في طريقك بل فرصة للإلهام والتطور. فالقلب الممتلئ بالامتنان لا يعرف طريق الحسد والعقل الواعي يدرك أن السعادة لا تقاس بالمقارنات بل بالرضا بما بين يديه.

همسة
نحن مقبلون على عيد الفطر فاذكروا الله على ما يعجبكم فقد تحسدون دون أن تشعروا فتضرون غيركم دون قصد. العين حق كما قال ﷺ: “العين حق ولو أن شيئًا سبق القضاء لسبقته العين.” فاحرصوا على ذكر الله وادعوا بالبركة لكل من حولكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى